المشروع القومي للطوابير !!
' ولد المصري ليقف في الطابور' أعتقد أن هذه العبارة ستكون من أدبيات المواطن المصري في الفترة القادمة وسيسجلها التاريخ ويحفظها شأنها شأن مقولة مصطفي كامل الخالدة والتي أعتز بها وأرددها دوما ' لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا'.. ولو أطال الله في عمر يوسف بك وهبي لقال ' وما الدنيا إلا طابور طويل'.
حاولت أن أجد شيئا يحصل عليه المواطن المصري البسيط دون طابور فلم أجد ، طبعا هذا باستثناء طبقة النصف في المائة التي تحصل علي كل شيء دون أن تبذل أي شيء .. تذكرة المترو بالطابور، حصول المسنين أو الشباب - بعد المعاش المبكر - علي المعاش بالطابور .. ركوب الميكروباص بالطابور .. حتي عندما يقف المذنبون أو غير المذنبين لتلقي الإهانات في أي قسم شرطة يكون ذلك بالطابور ، بل هو بالفعل اسمه ' طابور العرض'.
أعرف قبل غيري أن الطابور وسيلة مهمة للتنظيم.. ' ياما وقفت في طوابير، وراضي بظروف بلدنا .. بل ومؤمن بمقولة إسماعيل ياسين : فيه ناس بتكسب ولا تتعبش وناس بتتعب ولا تكسبش' ، لكن أن تتحول حياتنا كلها إلي طابور طويل فهذا أمر غريب وغريب جدا لا ينم عن تنظيم إطلاقا بل علي العكس يؤكد سوء التنظيم والعشوائية.
وحقيقة الأمر أن طابور العيش يؤرقني ويستفزني في كل مرة يصادفني فيها فرن بلدي ، لكن ما رأيته الأيام الماضية من تطور خطير في طوابير العيش أحزنني جدا ، فقد وجدت أمام فرن العيش الذي أسكن بجواره - في عابدين - ستة طوابير دفعة واحدة وكل طابور يقف فيه ما لا يقل عن 20 رجلا وسيدة.
معلوماتي وخبراتي تؤكد أن ربنا خلق طابور العيش واحدا ، غالبا بفرعين، فرع للرجال وآخر للسيدات ، شأنه شأن كل الطوابير في حياتنا.
تعجبت جدا واقتربت من مجموعة الطوابير لأسأل هو فيه إيه ؟
فرد علي شاب ساخرا: ' فيه محشي ..... '.
قلت له بغضب شديد: إيه الروقان ده إنت واقف قدام شباك سينما ؟!! .. أنا عايز أقف في الطابور دلوقتي .. أقف فين ؟!
فسألني: أنت أول مرة تشتري فيها عيش ؟!!
قلت له: طول عمري أعرف إن فيه طابور للستات وطابور للرجالة!!
فرد: ده كان زمان دلوقتي لو عايز ( 5 ) أرغفة تقف في الطابور ده .. و ( 10 ) أرغفة ده .. ومن 75 قرش لغاية جنيه تقف في الطابور ده ، ودول 3 طوابير زيهم للستات.
وقفت بعض الوقت لم أشاهد علامة غضب أو استياء أو زهق علي وجه أحد.. فحاولت استنطاق الناس قائلا : عمرنا ضاع في الطوابير .. إحنا هانفضل واقفين لغاية إمتي؟
رد عليٌ الشاب: مش مهم الوقت .. المهم بعد الوقفة الطويلة تلاقي عيش!
بادرته: هو ممكن....؟
قاطعني: أيوه .. هو انت فاكر إن الناس اللي بتموت بعضها والمشاكل والخناقات اللي بتحصل عند الأفران وبنقراها في الجرايد، علشان الناس بتزهق من الوقفة.. لأ طبعا ، المشكلة انه ممكن بعد ساعة واتنين تلاقي الشباك اتقفل وقالولك العيش خلص!! وتبقي مضطر تجيب الرغيف الاستثماري أبو نص جنيه.
انصرفت علي الفور وأنا أسأل نفسي : هل وصلنا لهذه الدرجة ؟ وهل أصبح الوقوف في طابور العيش مجرد مغامرة يمكن أن تنجح وربما تفشل؟! .. هل هذا هو النظام ؟! وهل أصبح الحصول علي رغيف العيش مجرد صدفة؟!
ثم ماذا عن العمال والموظفين؟ هل يحصل الموظف علي أجازة لشراء رغيف عيش، أم أنه مجبر علي التضحية بنصف مرتبه لشراء العيش الاستثماري ؟! ناهيك عن النساء و العجزة والمسنين والأطفال الذين يبدءون يومهم بالوقوف في طابور طويل عريض يمتهن كرامتهم وللأسف ربما دون جدوي!!
وفي الوقت الذي ينام فيه البسطاء علي الأرصفة أمام الأفران ليحجزوا أدوارا متقدمة في الطوابير يصدمنا وزير الزراعة السابق أحمد الليثي بتصريحه الخطير لصحيفة 'الدستور': أسباب عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر سياسية وليست زراعية .. والذي شرح خلاله تفاصيل خطته التي أجهضت بفعل فاعل وكانت تهدف إلي تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ونجحت في عام واحد 2004 - 2005 في زراعة ( 3 ) ملايين و (50 ) ألف فدان ، تقلصت في عام 2005 - 2006 إلي ( 2.2 ) مليون فدان فقط.
لاحظ هنا أن المهندس أحمد الليثي ليس عضوا في جماعة 'كفاية' ولم ينضم حتي الآن إلي جماعة 'الإخوان المسلمين' أو إلي أي حزب سياسي معارض لا سمح الله، بل علي العكس فهو أحد أركان النظام سابقا وشغل موقعا سياديا - وزير الزراعة - لفترة ليست بالقليلة.
أي أن حكومتنا الرشيدة اختارت عن قصد تجويع الناس وكسر رقابهم وامتهان كرامتهم في طوابير يومية أمام أفران العيش!!
والسؤال: لماذا اختارت حكومتنا الرشيدة هذا الخيار ؟! هل هي وسيلة جديدة لشغل أوقات فراغ ملايين العاطلين، بدلا من الجلوس علي المقاهي أو الانخراط مع أصدقاء السوء ؟! .. هل هي محاولة لخفض معدلات الجريمة عن طريق تفريغ الطاقات في طوابير العيش ؟! .. وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا لا يعلن الدكتور احمد نظيف رئيس مجلس الوزراء عن مشروعه القومي الجديد 'تفريغ طاقات الشباب في طوابير العيش'؟!.
أعتقد أن استقالة وزير التموين - إذا كان هناك وزارة تموين أصلا - لا تكفي بعد أن أصبح الحصول علي رغيف العيش مهمة صعبة للغاية ، وأعتقد أيضا أن الدكتور أحمد نظيف مطالب بقراءة بعض كتب التاريخ التي رصدت ثورات الخبز قبل أن يفيق علي كارثة.
مكرم - نظيف - البدل
يوما بعد يوم نسمع عن لقاء مرتقب يجمع بين الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين والدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء .. مرة يقولون إن اللقاء بحضور مجلس النقابة ، ومرة أخري بدون .. غالبا يعتذر الدكتور نظيف لانشغاله وأحيانا يلتقي بهم .. وفي آخر لقاء يوم الأربعاء الماضي قدم د. نظيف نفس الوعود التي سبق وصرح بها الأستاذ مكرم من قبل.. فهل يفي د. نظيف بوعده هذه المرة؟! لقد أصبح الأمر مستفزا للغاية، خاصة أنه لا يليق بالصحفيين استجداء حقوقهم، ولا يليق بنقيب الصحفيين أن يشحت عليهم !!
أعرف أن الأستاذ مكرم في موقف لا يحسد عليه فقد وعد جموع الصحفيين قبل إجراء الانتخابات بأيام قليلة برفع بدل التدريب والتكنولوجيا الذي يتقاضاه الصحفيون شهريا من النقابة بزيادة غير مسبوقة تبلغ قيمتها 200 جنيه شهريا.
ولم يكتف الأستاذ مكرم بذلك بل أعلن الحصول علي موافقة الحكومة لدعم موارد نقابة الصحفيين ب (10) ملايين جنيه تتوزع علي صندوق المعاشات والتكافل ومشروعات الرعاية الصحية والاجتماعية للصحفيين وأسرهم.
وعد الأستاذ مكرم أيضا بتوفير 'لاب توب' لكل صحفي يسدد قيمته بالتقسيط المريح مع تخصيص ألف قطعة أرض بالمجتمعات العمرانية الجديدة بتسهيلات كبيرة في السداد، بخلاف مئات الشقق المدعومة، والحصول علي عروض متميزة لتوفير سيارة لكل صحفي يسدد قيمتها علي أقساط بسيطة بفائدة بسيطة.
وما زاد الطين بلة أن الأستاذ مكرم أعلن أنه لو فشل في تحقيق وعوده خلال شهرين سيجتمع بالجمعية العمومية ويبلغها بما تم خلال الشهرين، بل وأكد أنه سيقدم استقالته.
ورغم مرور الأيام والأسابيع وتجاوز المهلة التي اختارها الأستاذ مكرم لنفسه لم نسمع عن تحقق أي وعد من الوعود، ولم نسمع أن الأستاذ مكرم محمد أحمد يفكر في الاستقالة، حتي أن الكثير من الصحفيين يشعرون بأنهم 'اشتروا الترماي'!!.
أنا هنا لا أطالب الأستاذ مكرم بالاستقالة لكن رجائي الوحيد أن يكف نقيب الصحفيين الذي يمثل جموع الصحفيين المصريين عن استعطاف رئيس الوزراء ومطاردته، وهو الأمر الذي نشعر معه بالمرارة .. فالصحفيون المصريون أكبر بكثير من تسول حقوقهم ، ولديهم من الإجراءات ما يجعلهم يحصلون علي حقوقهم لو أخلف نظيف وعده.
الأسبوع (11) سنة
في السادسة من مساء السبت الماضي تجمع عدد كبير من الصحفيين والعاملين ب 'الأسبوع' أمام مقرها في شارع شامبليون .. وفي صحبة انتقلنا جميعا إلي مدينة طنطا لحضور حفل زفاف الزميل أحمد بديوي رئيس الديسك المركزي علي الزميلة آلاء حمزة العضو النشط بقسم التحقيقات الصحفية ، ليكون هذا الزواج هو السابع الذي يجمع بين اثنين من الزملاء بالصحيفة.
ويأتي زواج أحمد وآلاء في ذكري مرور 11 سنة علي ميلاد 'الأسبوع' ليؤكد الحالة الخاصة والرائعة التي تميزت بها صحيفتنا عبر مشوارها عن غيرها من الصحف ففضلا عن الروابط الفكرية التي تجمعنا كأسرة واحدة، أفرادها أصحاب توجه وطني واحد مهما اختلفت رؤاهم، فهناك روابط دم ونسب أضافت كثيرا إلي هذه الأسرة التي نعتز بالانتماء إليها.
ويا لها من لحظات جميلة حينما أتصل بأحد الزملاء ليرد ابنه أو ابنته لأستدعي الذكريات الجميلة ولأكتشف أننا أصبحنا في 'الأسبوع ' مجموعة أسر صغيرة ذات علاقات متشابكة تربطنا صلات فكر ودم ونسب .. أبناء زملائنا هم أبناؤنا جميعا .. لن أقول شهدنا لحظات ميلادهم وخروجهم للحياة بل علي الأكثر عاصرنا فترات خطوبة آبائهم وأمهاتهم وحضرنا ليالي زفافهم.
منقول من جريده الاسبوع